التوكُّلُ على اللهِ والتحذيرُ من الكَهَنَةِ والعرَّافينَ (خطبة الجمعة)
إنَّ الحمدَ لله نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ونشكرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرور أنفُسنا ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا، مِنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا شبيهَ لهُ ولا صورةَ ولا أعضاءَ ولا جُثَّةَ ولا جسمَ ولا مكانَ لهُ، خلقَ العالَـمَ وهو غنيٌّ عنِ العالمينَ. خلقَ العرشَ إظهارًا لقدرتِهِ ولَمْ يَتَّخِذْهُ مَكانًا لذاتِهِ، جَلَّ ربِّي فهو الواحدُ القهّارُ، وأشهدُ أنّ سيّدنا وحبيبنَا وعظيمنَا وقائدَنا وقرّةَ أعينِنا محمّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، اللهم صلّ على سيدنا محمد صلاةً تقضي بها حاجَاتنا وتفرِّج بها كُرُباتِنا وتكفينا بها شرَّ أعدائنا وسلّم عليه وعلى ءالِهِ وأصحابِهِ تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُمْ ونفسي بتقوى اللهِ العليِّ القديرِ القائل في مُحكَمِ كتابِهِ * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * ( سورة التغابن ءاية 13 )
إخوة الإيمان، مِنَ الواجباتِ القلبيّةِ التوَكّلُ على اللهِ وهو الاعتمادُ عليه، فيجبُ على العبدِ أنْ يكونَ اعتمادُهُ على اللهِ لأنهُ خالقُ كلِّ شىءٍ مِنَ المنافعِ والمضارّ وسائرِ ما يدخلُ في الوجودِ، فلا ضارَّ ولا نافعَ على الحقيقةِ إلا اللهُ، فإذا اعتقد العبدُ ذلكَ وَوَطّنَ قلبَهُ عليه كان اعتمادُهُ على الله في أمور الرزق والسلامة من المضارّ.
فالتوكُّل هو ثقَةُ القلبِ بالله، وقال الجنَيْدُ البغداديُّ رضي الله عنه: " التوكل هو تركُ الاعتماد الحقيقيِّ على غيرِ الله ".
فمن توكَّل على اللهِ تجنّبَ أنْ يلجأ إلى ماحرّم الله من العمل بالسحر وإتيان العرّافين والمنجّمينَ، فقد قال حبيبُنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه: { " من أتى كاهنًا أو عرّافًا فصدّقَهُ بما يقولُ فقدْ كفر بما أُنزل على محمَد " } رواه الحاكم.
فالكاهن هو مَنْ يتعاطى الإخبارَ عمّا يقعُ في المستقبل كالذين لهم أصحاب من الجنّ يأتونَهم بالأخبارِ فيعتمدون على أخبارهم فيحدثون الناس بأنه سيحصلُ كذا.
والعرافُ هو من يتحدَّثُ عن الماضي من المسروق ونحوه.
فمن ذهب إلى عرّافٍ أو كاهِنٍ واعتقد أنهُ يطّلعُ على الغيب فقد كفر بالله ورسوله لأنه لا يعلمُ الغيبَ أحدٌ إلا الله، قال تعالى * قُل لّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ * ( سورة النمل ءاية 65 ) وليس المرادُ من يظن أنه قد يوافق الواقع وقد لايوافق الواقع فإنه لا يكفر بل يكون عاصيا بسؤاله إياهم.
وليعلم أنّ من الجنّ أحيانًا مَن يسْترقونَ السّمْع من الملائكة الموكلين بإنزال المطر وهم في الغَمام يصعدُ الجنُّ إلى مكان قريب من هذا الغمام والملائكة يتحدثون فيما بينَهم بما يصيرُ هذا العام في أرض كذا ومن الحوادث كذا وكذا كموت شخص أو ولادة مولودٍ أو أنْ يتولَى شخص الرئاسة أو أن يعزل عن الرئاسة ونحو ذلك ممّا أطْلَع اللهُ الملائكة عليه لأنَ الله يطلع الملائكة والأنبياء والأولياء على شىءٍ من الغيب ولا يطْلعُهُم على الغيب كله، فبعد أن يسترق هؤلاء الجنّ السمع من الملائكة ينزلون على الأرض ويخبرون هؤلاء الذين لهم معهم صُحبة من البشر.
فالحذر الحذر من هؤلاء الذين يدّعون تحضير الأرواح وهو في الواقع تحضير للجن، فأرواح الأتقياء لا يـحبّون أن يرجعوا إلى الدنيا ولو ملكوا الدنيا وما فيها، وأرواح الكفار تحت ملائكة العذاب ولا يستطيع هؤلاء الدجاجلة أن يسحبوا روح الكافر من ملائكة العذاب إنما الذين يحضرون إلى مجلس هؤلاء هم الجنّ الذين كانوا يعرفون حال هذا الشخص وعاشوا معه إما قرينه أو واحد ءاخر يعرف أحواله يكذب فيقول: أنا روح فلان والعياذ بالله تعالى.
ولا يدخل فيمن ذكرنَا من يُرددُ ءاية بعدد معين لمقصد حسن فإن هذا قد يحضره ملائكة الرحمة ببركة هذه الآية، أما من كان غرضه الدنيا فهذا لا يحضر إليه ملائكة الرحمة.
وأغلب هؤلاء الذين يقولون عن أنفسهم إنهم روحانيون هم يعملون مع الجن لكنهم لا يقولون للناس نحن نعمل مع الجن لأنهم إن قالوا ذلك للناس فالناس لايعتقدونهم، أما إن قالوا روحاني، الناس يقصدونهم، في البدء أحيانا الجن يظهرون أنهم قائمون بالشريعة ثم يدخلون أشياء مخالفة للشريعة.
ولقد تحدث شيخنا رضي الله عنه عن رجل كان في ناحيتهم يقول إني روحاني أي معي ملائكة ثم الناس يطلبونه لمريض أو غير ذلك، يأتي بعد المغرب ثم الناس يحضرون إليه، ثم بعد برهة يطفئ الضوء فيحسون بحركات ويسلمون على الحاضرين ولا يقولون نحن جنّ وإنما يقولون روحاني ثم يتكلمون فيقولون هذا المريض مرضه كذا ودواؤه كذا، مرة لما حضروا قالوا أي الجن بعض الناس يسيئون الظن بنا يقولون نحن جن، نحن لسنا جن، نحن الملك بلا أب ولا أم، ثم فضحه الله تعالى لأنه هو اعترف فقال: ءامر ابني ميمون بكذا، فضحه الله تعالى، لأنه من المعلوم أن الملائكة لايتناكحون ليسوا ذكورًا ولا إناثا إنـما أجسام نورانية لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون.
إخوة الإيمان، قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه ( لطائف المنن والأخلاق ) نقلا عن ابن عربي أنه قال: " من أراد أن لا يضل فلا يرم ميزان الشريعة من يده طرفة عين بل يستصحبها ليلا ونهارا عند كل قول وفعل واعتقاد" اهـ.
فكلما حضرت أخي المصلي في مجالس علم الدين التي نعطيها يقوى عندك ميزان الشريعة، فمن تعلم شرع الله يميز بين الحسن والقبيح والطيب والخبيث والحلال والحرام والكفر والإيمان.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.
هذا وأستغفر الله لي ولكم.
التعليقات على الموضوع