مصحف البر - مشروع طباعة مصاحف خاصة بكبار السن


عن حقوق كبار السن مقتبس من مقال 

                                 جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

  • كبير السن وحقوقه في الإسلام -

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أمّا بعد :

إن من المكارم العظيمة، والفضائل الجسيمة البر والإحسان إلى كبار السن، ورعاية حقوقهم، والقيام بواجباتهم، وتعاهد مشكلاتهم، والسعي في إزالة المكدرات والهموم والأحزان عن حياتهم، إن هذا من أعظم أسباب التيسير والبركة، وانصراف الفتن والمحن والبلايا والرزايا عن العبد، وسبب للخيرات والبركات المتتاليات عليه في دنياه وعقباه، لقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما تُنصَرون بضعفائكم) وقوله صلى الله عليه وسلم:(ابلغوني ضعفاءَكم؛ فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم) فمِن هؤلاء الضعفاء في المجتمع الإنساني المُسِنُّ؛ لأنه يصاحب المرء مرحلةَ الكبر ضعفٌ عام، بحيث تظهر بعض التغيرات على جسم الإنسان في حالة تقدمه في السن، مثل تجعد الجلد وجفافه، وثقل في السمع، وضعف في البصر والحواس بشكل عام، وبطء الحركة، وتغير لون الشعر، وما يحدث من ضعف في العظام، وانخفاض لحرارة الجسم، وضعف الذاكرة والنسيان، وبروز هذه التغيرات يتطلب الرعاية بهم ومن الفضائل لكبار السن في الإسلام، وما شرع لهم الإسلام من حقوق وواجبات، ولذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم وهو يرشدنا إلى حق الكبير: (مَن لم يرحم صغيرنا ويعرِفْ حقَّ كبيرنا، فليس منا)

♦ فضل الكبير:

تضافرت الأحاديثُ الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الخير مع الأكابر، والبركة مع كبار السن، وأن المؤمن لا يزاد في عمره إلا كان خيرًا له، إضافة إلى أن المسن المؤمن له مكانة خاصة، تتمثل في التجاوز عن سيئاته، وشفاعته لأهل بيته؛ فلقد روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتمنى أحدُكم الموتَ، ولا يدعو به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمنَ عمرُه إلا خيرًا) وعن أنس رضي الله عنه، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ألا أنبئكم بخياركم)، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (خيارُكم أطولُكم أعمارًا إذا سددوا) وروى أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(خيارُكم أطولكم أعمارًا، وأحسنكم أعمالًا) وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:(الخير مع أكابرِكم) وفي رواية: (البركة مع أكابركم) وعن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما مِن مُعمَّر يُعمَّر في الإسلام أربعين سنة إلا دفع الله عنه أنواع البلاء: الجنون، والجذام، والبرص، فإذا بلغ الخمسين هوَّن الله عليه الحساب، فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة إلى الله بما يحب الله، فإذا بلغ السبعين أحبه الله وأحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين كُتبت حسناتُه ومُحيت سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكان أسيرَ الله في أرضه، وشفع في أهل بيته)

♦ كما تَدين تُدان:

إذا احترمنا الكبير، ورعينا حقوقه، يسر الله تعالى لنا في كِبَرنا مَن يرعى حقوقنا، جزاءً من جنس إحساننا، وسيأتي علينا يوم نكون فيه كبراء مُسنِّين، ضعيفي البدن والحواس، في احتياج إلى من حولنا؛ أن يرعوا حقنا، وإن كنا مضيعين حقوقهم في شبابنا، فسيضيع الشباب حقوقنا في كبرنا، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]، وفي مقابل ذلك: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى ﴾ [الروم: 10]؛ فإن جزاء الإحسان، والإساءة جزاؤها الإساءة؛ وفي رواية عن أنس مرفوعًا بلفظ: (ما أكرم شاب شيخًا لسنِّه، إلا قيَّض اللهُ له مَن يكرمه عند سنِّه)،فهذا الحديث يبين أن إحسانَ الشباب للشيخ يكون سببًا لأن يقيِّض الله له من يكرمه عند كبره، ومن العلماء من قال: إن في هذا الحديث دليلًا على إطالة عمر الشاب الذي يكرم المسنين.

♦ توقيره وإكرامه :

إن مِن تعاليم الإسلام في حق الكبير: توقيره وإكرامه، بأن يكون له مكانة في النفوس، ومنزلة في القلوب، وكان ذلك مِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، وجعله مِن هديه وسماته وصفاته، فقد أوجب نبينا صلى الله عليه وسلم احترام كبار السن، والسعي في خدمتهم؛ فرُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف ويَنْهَ عن المنكر) وعن معاذ بن جبل: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا أتاكم كبير قوم فأكرموه).

♦ طيب معاملته :

إن مِن حقوق الكبير في الإسلام أن يُحسَن معاملاته، بحسن الخطاب، وجميل الإكرام، وطيب الكلام، وسديد المقال، والتودد إليه؛ فإن إكرام الكبير وإحسان خطابه هو في الأصل إجلال لله عز وجل؛ فقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(إن مِن إجلال الله: إكرامَ ذي الشيبة المسلم) وفي رواية عن ابن عمر موقوفًا: عن ابن عمر، قال: (إن مِن أعظم إجلال الله عز وجل: إكرامَ الإمام المقسط، وذي الشيبة في الإسلام).

♦ بَدْؤه بالسلام :

إن مِن حقوق كبير السن إذا لقيناه أن نبدأه بالسلام مِن غير انتظار إلقاء السلام منه؛ احترامًا وتقديرًا له، فنسارع ونبادر بإلقاء السلام عليه بكل أدبٍ ووقار، واحترام وإجلال، بل بكل معاني التوقير والتعظيم، بل نراعي كِبَرَ سنه في إلقاء السلام بحيث يسمعه ولا يؤذيه، فقد جاء في الحديث النبوي الشريف:(يسلم الصغير على الكبير، والراكب على الماشي).

 

♦ إحسان خطابه :

وإن مِن حقوق كبير السن إذا حدثنا كبير السن أن نناديه بألطف خطاب، وأجمل كلام، وألين بيان، نراعي فيه احترامه وتوقيره، وقدره ومكانته، بأن نخاطبه بـ "العم" وغيره من الخطابات التي تدل على قدره ومرتبه ومنزلته في المجتمع بكبر سنه، فعن أبي أمامة بن سهل : قال: صلينا مع عمر بن عبدالعزيز الظهر، ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر، فقلت : يا عم، ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال: العصر، وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كنا نصلي معه، عن عبدالرحمن بن عوف أنه قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، نظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما، فقال: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم، وما حاجتك إليه يا بن أخي؟ قال: أُخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا.

♦ تقديمه في الكلام :

إن مِن حقوق الكبيرِ في السن أن نقدمه في الكلام في المجالس، ونقدمه في الطعام، والشراب والدخول والخروج، فقد ورَد في الحديث النبوي الشريف: عن سهل بن أبي حثمة، قال: انطلق عبدُالله بن سهل، ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر، وهي يومئذ صلح، فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبدالله بن سهل وهو يتشمط في دمه قتيلًا، فدفنه، ثم قدم المدينة، فانطلق عبدالرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب عبدالرحمن يتكلم، فقال: (كبِّرْ، كبِّرْ)، وهو أحدث القوم، فسكت، فتكلَّما، وعن ابن عمرَ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواكَ الأصغرَ منهما، فقيل لي: كبِّرْ، فدفعته إلى الأكبر منهما)، وكان لنا قدوة وأسوة أكابرنا وأماجدنا؛ لأن شباب الصحابة والتابعين كانوا في غاية الأدب، وفي غاية الاحترام للكبار، والتوقير والتقدير لهم، والقيام بحقوقهم، ومن النماذج والأمثلة على ذلك: ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا لأصحابه:(إن مِن الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي)، فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبدالله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييتُ، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: (هي النخلة).

♦ الدعاء له :

وإن مِن إجلال الكبير وحقه علينا أن ندعو له بطول العمر، والازدياد في طاعة الله، والتوفيق بالسداد والصلاح، والحِفظ من كل مكروه، والتمتع بالصحة والعافية، وبحُسن الخاتمة، وحثَّ اللهُ عز وجل الأبناء على الدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].

لأن خيرَ الناس بموجب الحديث مَن طال عمره، وحسُن عمله، فعن عبدالله بن بسر: أن أعرابيًّا قال: يا رسول الله، مَن خيرُ الناس؟ قال:(مَن طال عمرُه، وحسُن عمله) بل جاء في حديث آخر: أن الله يصطفي من عباده بعضهم بإطالة العمر وإحيائهم في عافية إلى أن يقبِضَ أرواحهم؛ فرُوي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن لله عبادًا يضِنُّ بهم عن القتل، يطيل أعمارهم في حسن العمل، ويحسن أرزاقهم، ويحييهم في عافية، ويقبض أرواحهم في عافية على الفرش، فيُعطيهم منازلَ الشهداء) لأن مَن طال عمره ازداد علمه وإنابته ورجوعُه إلى الله عز وجل؛ لأن الشباب شعبة من الجنون، فيزداد الرجل في الشباب في الشهوات واللذات، والشيخوخة موجب للخير والبركة، فلما يدنو العبد من الشيخوخة يتوجه إلى الله، فيذكر الله قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه، ويحمده، ويسبِّحه، ويهلِّله ويكبره كلما سنحت له الفرصة، وقيل: أن سليمان بن عبدالملك دخل مرة المسجد، فوجد في المسجد رجلًا كبير السن، فسلم عليه، وقال: يا فلان، تحبُّ أن تموت؟ قال: لا، ولمَ؟ قال المسن : ذهب الشبابُ وشرُّه، وجاء الكِبَرُ وخيرُه، فأنا إذا قمت قلت: بسم الله، وإذا قعدت قلت: الحمد لله، فأنا أحب أن يبقى لي هذا.

♦ مراعاة وضعه وضعفه:

الإنسان في بداية عمره وعنفوان شبابه يكون غضًّا، طريًّا، طازجًا، لين الأعطاف، قوي العضلات، بهي المنظر، ثم يشرع في الكهولة، فتضعف قواه، فيتغير طبعه، ثم يكبر شيئًا فشيئًا حتى يصير شيخًا كبير السن، ضعيف القوى، قليل الحركة، يعجِزُ عن المشي والحركة السريعة، فيتقدم إلى الأمام بطيئًا، ويتوكأ على العصيِّ، فصور الله عز وجل هذه الأحوال في القرآن الكريم: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾ [الروم: 54] يعني أن الإنسانَ يمر بثلاث مراحل رئيسية: ضعف، ثم قوة، ثم ضعف، ولكن هذا الضعف الأخير هو الشيخوخة والكهولة.

وقال في موضع آخر: ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ﴾ [الحج: 5] وأرذَلُ العُمر هو أدونه، وآخره الذي تضعف فيه القوى، وتفسد فيه الحواس، ويختل فيه النطق والفكر، ويحصل فيه قلة العلم وسوء الحفظ، والخَرَف، وخصه الله بالرذيلة؛ لأنه حالة لا رجاء بعده لإصلاح ما فسد؛ فالمسلمون المتقون لا يبلغون هذه الحالة.

فعلينا أن نراعي صحة كبير السن، ووضعه البدني والنفسي، بسبب الكبر والتجاوز في العمر؛ فإن هذه المرحلة مِن الحياة مستوجبة للعناية والاهتمام الكبير من الأقارب؛ فإن الضعف يسري ويجري في الإنسان كجريان الدم، فيضعف بدنه، وصحته، وحواسه، فما يصدر منه من خطأ فبمقتضى هذه السن المتقدمة، بل إن تصرفاته في هذه السن المتقدمة لكثرة وهنه وضعفه، بل ضعف قواه أشبه ما يكون بتصرفات الصغير، فعلينا أن نراعي حقوقهم، ولا نتركهم ولا نطرحهم في دور المسنين من غير رقيب ولا رفيق، بل يتعين علينا رعاية حقهم مقابلة الإحسان عندما كنا صغيرين ضعفاء، فحملوا أعباءنا، وتحملوا مشاقنا، واهتموا برعايتنا كل الاهتمام حتى كبِرْنا وصرنا شبانًا أقوياء، فأشار إلى حالنا الله عز وجل في كتابه العزيز: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14].

 ♦ كبار السن ومراتب الحقوق :

الحق يعظم ويكبر من جهة ما احتف به؛ فإذا كان قريبًا فله حق القرابة مع حق كبر السن، وإذا كان جارًا، فإضافة إلى حقه في كبر سنه فله حق الجوار، وإذا كان مسلمًا، فله مع حق كبر السن حق الإسلام، وإذا كان الكبير أبًا أو جدًّا فالحق أعظم، بل إذا كان المسن غير مسلم فله حق كبر السن؛ إذ إن الشريعة جاءت بحفظ حق الكبير، حتى مع غير المسلمين، فلربما تكون رعايتك لحقه سببًا لدخوله في هذا الدِّين في مراحل حياته الأخيرة.

لابد أن ندرك أن الأكابر خيرًا لنا وبركةً لنا في حياتنا، وازديادًا في أرزاقنا وفي أعمارنا، وأن الإساءة إليهم وسوء معاملتهم قد نجازى به في أواخر أعمارنا، فلا بد لنا أن نحترم الأكابر ونجلهم ونكرمهم، ونحسن الخطاب معهم، ونخاطبهم بما يظهر به احترام، اللهم وفقنا لكل عمل صالح وجعلنا مباركين أينما كنا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قاله كاتبه

د. محمد بن سليمان الواصل

لا تنسونا بخالص الدعاء

ليست هناك تعليقات

شاركنا برأيك